خفض توقعات النمو على المدى القريب على خلفية تباطؤ التجارة العالمية…
البنوك.كوم:
قام صندوق النقد الدولي بخفض توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي لأغلبية الاقتصادات وعلى مستوى العالم وذلك وفقاً لأحدث التقارير الصادرة عنه بعنوان آفاق الاقتصاد العالمي. وأكد صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد العالمي يشهد حالة تباطؤ متزامن فيما يعزى للعديد من الأسباب، وأشار التقرير إلى أن الحرب التجارية تعد في صدارة الأسباب الرئيسية ويليها مباشرة انخفاض الطلب.
كما ذكر صندوق النقد الدولي أن النشاط الصناعي العالمي والتجارة قد تضررا بشدة بسبب ارتفاع الرسوم الجمركية بالإضافة إلى عدم اليقين المحيط بالسياسة التجارية. ووفقاً للصندوق، فإن الرسوم الجمركية المعلنة، بشكل أساسي بين الولايات المتحدة والصين، قد تساهم في خفض الإنتاج الاقتصادي العالمي بنسبة 0.8 في المائة أو 700 مليار دولار أمريكي بحلول العام 2020. وأشار التقرير إلى تراجع معدل نمو حجم التجارة في النصف الأول من العام 2019 بنسبة 1 في المائة بالفعل، فيما يعد أدنى المستويات المسجلة منذ العام 2012. أما بالنظر إلى الجانب الإيجابي، أكد صندوق النقد الدولي استمرار الأداء القوي لقطاع الخدمات وذلك على الرغم من الرياح المعاكسة التي يتعرض لها وان كان هناك بعض العلامات الدالة على ضعف القطاع في الولايات المتحدة وأوروبا.
ووفقاً للتقرير، قام صندوق النقد الدولي بخفض توقعات النمو لكل من الاقتصادات المتقدمة والناشئة والنامية. كما تم خفض توقعات النمو العالمي بواقع 20 نقطة أساس للعام 2019 و 10 نقاط أساس للعام 2020. وبلغت توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي المنقحة نسبة 3 في المائة للعام 2019، فيما تعد أبطأ وتيرة نمو منذ الأزمة المالية العالمية، في حين بلغت توقعات النمو للعام 2020 ما نسبته 3.4 في المائة. وعكست المراجعة في المقام الأول تزايد الحواجز التجارية وتصاعد عدم اليقين فيما يتعلق بالتجارة والعوامل الجيوسياسية، وانخفاض الإنتاجية وشيخوخة التركيبة السكانية في الاقتصادات المتقدمة وحالة عدم اليقين المحيط بالسياسات التجارية والمحلية في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية.
وعلى صعيد الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، تم تعديل نمو الناتج المحلي الإجمالي وخفضه بواقع 20 نقطة أساس للعام 2019 ليصل إلى 3.9 في المائة و 10 نقاط أساس للعام 2020 وصولاً إلى 4.6 في المائة. وذكر صندوق النقد الدولي إن المنطقة ستظل المحرك الرئيسي للنمو في العام 2020 في ظل خفض توقعات النمو للعام 2019 ونسب التباطؤ النسبي لمعدل النمو إلى حالة عدم اليقين المرتبطة بالتجارة والسياسة المحلية وإلى بعض العوامل الهيكلية التي أدت إلى خفض توقعات الصين. من جهة أخرى، تم تخفيض آفاق نمو الاقتصاديات المتقدمة بمقدار 20 نقطة أساس للعام 2019 إلى 1.7 في المائة، في حين لم يتغير معدل نمو العام 2020 وظل عند مستوى 1.7 في المائة. وضمن تلك المنطقة، ظل الاقتصاد الأمريكي صامداً على الرغم من التحديات المتعلقة بالصراع التجاري وذلك بفضل السياسات التحفيزية. أما في منطقة اليورو، أدى تراجع الصادرات إلى انخفاض معدل النمو في حين استمر انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي في التأثير على النمو الاقتصادي البريطاني.
التفاوت داخل البلد الواحد وتأثير ذلك على النمو الاقتصادي …
حلل التقرير كيف يمكن للتفاوتات الإقليمية داخل البلد الواحد أن تحد من النمو الاقتصادي في الدول المتقدمة مقارنة بالدول الأخرى. وقد ركز التقرير بصفة خاصة على السياسات الوطنية لكل دولة على حدة وكيفية تأثير ذلك في تخفيف حدة ارتفاع البطالة الناتجة عن الصدمات التكنولوجية والتجارية من خلال الأسواق المفتوحة. ووفقاً للتقرير، أدى تباطؤ وتيرة التقارب الإقليمي مع زيادة التباينات في بعض الاقتصادات المتقدمة داخل دول الإقليم الواحد فيما يتعلق بسوق العمل إلى ضعف الأداء الإقليمي. ووفقاً للنتائج التي توصل إليها التقرير، يمكن الحد من التفاوتات الإقليمية من خلال تنفيذ السياسات الهيكلية الوطنية وتعزيز السياسات القائمة على التوظيف وتشجيع الأسواق الأكثر انفتاحاً ومرونة.
خفض توقعات نمو منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية لعام 2019 و2020
تم خفض نمو الناتج المحلي الاجمالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للعام 2019 بواقع 60 نقطة أساس وللعام 2020 بواقع 40 نقطة أساس مقارنة بتوقعات يوليو 2019 لتصل إلى 0.1 في المائة و2.7 في المائة، على التوالي. ويعكس تراجع توقعات النمو التي أعلن عنها صندوق النقد الدولي انخفاضاً حاداً في الناتج المحلي الإجمالي النفطي للسعودية والذي من المتوقع أن يتراجع على خلفية تمديد اتفاقية الأوبك وحلفائها لخفض الانتاج وضعف سوق النفط العالمية بصفة عامة. وساهمت الهجمات الأخيرة على منشآت النفط السعودية في تصاعد حالة عدم اليقين بالنسبة لآفاق النمو في المستقبل القريب. وضمن دول مجلس التعاون الخليجي، انخفضت توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي السعودي لعامي 2019 و 2020 إلى 0.2 في المائة (-170 نقطة أساس) و 2.2 في المائة (-80 نقطة أساس)، على التوالي. ومن المتوقع أن يكون النمو السنوي للمملكة في العام 2020 مدفوعاً بارتفاع النشاط الاقتصادي غير النفطي والزيادة المتوقعة في إنتاج النفط في العام 2020. من جهة أخرى، انخفضت توقعات النمو في الكويت للعام 2019 إلى نسبة 0.6 في المائة، في حين يتوقع أن تنخفض توقعات النمو الخاصة بالإمارات إلى نسبة 1.6 في المائة. ومن المتوقع أن تأتي البحرين وقطر في صدارة الدول الخليجية من حيث نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 2.0 في المائة لكلا منهما في العام 2019. أما من خارج منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، من المتوقع أن تسجل مصر نمواً بنسبة 5.5 في المائة في العام 2019 و 5.9 في المائة في العام 2020 مقابل 5.3 في المائة في العام 2018 على خلفية انتعاش السياحة وتحسن مؤشرات الثقة. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، من المتوقع أن تظهر عدد من دول الأسواق الناشئة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا انتعاشاً أو على اقل تقدير تراجع معدل الركود في العام 2020 بما في ذلك تركيا وإيران، بينما من المتوقع أن تظهر دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأخرى معدلات نمو أسرع بما في ذلك السعودية.
تراجع الإنفاق الاستثماري وانخفاض حجم التجارة
كان للتباطؤ المتزامن على الصعيد العالمي خاصية رئيسية تميز بها، ألا وهي ضعف الإنتاج الصناعي. وانعكس هذا التباطؤ في إنتاج ومبيعات السيارات حيث انخفضت مشتريات السيارات العالمية بنسبة 3 في المائة في العام 2018. وكان الاتجاه أكثر حدة في بعض الدول مثل الصين، حيث أدى انقضاء فترة الحوافز الضريبية على المركبات إلى انخفاض الطلب، وأدى وضع معايير الانبعاثات الجديدة في منطقة اليورو إلى انخفاض الطلب في تلك المنطقة بالإضافة إلى فرض ضرائب جديدة في الهند التي شهدت انخفاضاً قياسياً في مبيعات السيارات. ومجدداً، كانت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين عاملاً رئيسياً لتباطؤ النشاط الصناعي والتجارة.
ووفقاً لصندوق النقد الدولي، ارتفع حجم التجارة العالمية بنسبة 1 في المائة على أساس سنوي خلال النصف الأول من العام 2019 فيما يعد أبطأ معدل نمو منذ العام 2012. ويعزى ذلك إلى انخفاض الإنفاق الاستثماري الذي تأثر على خلفية تصاعد التوترات التجارية وما لذلك من انعكاسات على معنويات العمل داخل قطاع الصناعات التحويلية. ونتيجة لذلك، انخفض نمو حجم التجارة العالمية بواقع 140 نقطة أساس ليصل إلى نسبة 1.1 في المائة للعام 2019 وبمعدل 50 نقطة أساس للعام 2020 ليصل بذلك إلى نسبة 3.2 في المائة. أما من حيث الاتجاهات الإقليمية، كان نشاط التداول ضعيفاً في كل من الاقتصادات المتقدمة والاسواق الناشئة والاقتصادات النامية.
تراجع توقعات النمو الإقليمي وخفض توقعات التجارة العالمية
قام صندوق النقد الدولي بخفض توقعات نمو الاقتصاديات المتقدمة للعام 2019، حيث تم تخفيض التوقعات الخاصة بنمو كافة دول منطقة اليورو. وانخفض النمو في ألمانيا وفرنسا إلى نسبة 0.2 في المائة (-20 نقطة أساس) ونسبة 1.2 في المائة (-10 نقطة أساس)، على التوالي. وأدى ضعف الصادرات إلى تراجع النشاط في منطقة اليورو منذ أوائل العام 2018، بينما ظل الطلب المحلي ثابتاً. وفي ذات الوقت، تم تخفيض معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي للولايات المتحدة بواقع 20 نقطة أساس في ظل تصاعد التوترات التجارية والتكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين. ويتوقع صندوق النقد الدولي أنه في ظل تراجع معدل البطالة إلى أدنى المستويات المسجلة تاريخياً واقتراب التضخم من المستوى المستهدف تقريباً، هذا بالإضافة إلى مزيج من السياسة النقدية التيسيرية والتنظيم المالي الحصيف، سيساهم ذلك في تعزيز النمو الاقتصادي والحد من مخاطر التراجع.
وفي آسيا، تم تعديل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للصين للعام 2019 وخفضه بواقع 10 نقاط أساس ليصل إلى 6.1 في المائة، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي تأثر النمو سلباً بارتفاع التعريفات الجمركية. كما انخفض معدل نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في الهند خلال العام 2019 إلى 6.1 في المائة (-90 نقطة أساس) على خلفية التأثير السلبي لمعدلات النمو نتيجة لحالة عدم اليقين إلى جانب المخاوف المتعلقة بالقطاع المالي غير المصرفي في البلاد.
الأسعار والتوقعات الخاصة بالنفط
تمكنت أسعار النفط خلال العام 2019 من الاحتفاظ بمستويات فاقت متوسط أسعار النفط لصندوق النقد الدولي البالغ 68.33 دولار أمريكي للبرميل للعام 2018. وتشير أحدث توقعات صندوق النقد الدولي استناداً على العقود الآجلة إلى بلوغ الأسعار 61.78 دولار أمريكي للبرميل للعام 2019 و57.94 دولار أمريكي للبرميل. وفي أبريل 2019، وصلت أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها المسجلة خلال العام عند مستوى 71 دولار أمريكي للبرميل، إلا انها سرعان ما تراجعت إلى 55 دولار أمريكي للبرميل بحلول أغسطس 2019. وجاء هذا النمو المتقطع في أسعار النفط على خلفية خفض الإنتاج والعوامل الجيوسياسية.
الأوضاع تتطلب تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية لتحفيز الأسواق الناشئة والدول النامية ووضعها على مسار النمو …
قدم التقرير تحليلاً عن كيفية تباطؤ وتيرة الإصلاحات الهيكلية في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية في بداية الألفية الحالية مقارنة بالوتيرة المتسارعة التي اتسمت بها تسعينات القرن الماضي. وينطبق هذا الوضع بصفة خاصة على الدول النامية ذات الدخل المنخفض في جميع أنحاء منطقة جنوب الصحراء الكبرى في افريقيا، بينما لا ينعكس بنفس القدر على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ. كما يرى صندوق النقد الدولي أن حزمة الإصلاحات الشاملة التي تستهدف ست مجالات رئيسية تتضمن التمويل المحلي والتمويل الخارجي والتجارة وأسواق العمل وأسواق المنتجات والحوكمة قد تساهم في تعزيز النمو الاقتصادي بمعدل 7 نقاط مئوية خلال السنوات الست المقبلة بارتفاع يتخطى نقطة مئوية واحدة في المتوسط سنوياً.
كما يحدد التقرير أيضاً الإطار الزمني اللازم لتنفيذ تلك الإصلاحات وفقاً لهيكل الحوكمة والدورة الاقتصادية التي تمر بها الدولة. ويذكر التقرير إنه من الأفضل اعتماد الحكومات تلك الاصلاحات في وقت مبكر نظراً لاستغراقها ثلاثة سنوات على الأقل حتى تؤتي ثمارها، وان كان بإمكان بعض الإصلاحات المعينة ان تؤتي بثمار مبكرة. كما تتزايد المكاسب المحققة من الإصلاحات في ظل الظروف الاقتصادية المواتية مقارنة بأدائها في ظل الظروف العادية أو الضعيفة.
من جهة أخرى، فإن ترتيب تنفيذ الإصلاحات ضروري أيضاً حتى يكون لها أثر بالغ. ووفقاً للتقرير، تشكل الحوكمة الرشيدة حجر الاساس لتنفيذ الإصلاحات الخمسة الأخرى بأسلوب أمثل، وبالتالي فإن تعزيز مبدأ الحوكمة يعد من الشروط الأساسية. ويجب أن يتم تنفيذ ذلك بالتزامن مع – أو ان يتبعه مباشرة – مجموعة من الإصلاحات التجارية والمالية والعمالية وتحسين أداء سوق المنتجات لتحقيق أقصى تأثير.