مقالات

خوض عالم أكثر هشاشة «1 من 3»

بقلم: كريستالينا جورجييفا – مدير عام صندوق النقد الدولي

اقتصادنا العالمي يشبه سفينة تبحر وسط أمواج متلاطمة. ونحن نحتاج إلى كل ما لدينا من حكمة، لكي تستقر السفينة وتخوض غمار ما هو آت، ففي أقل من ثلاثة أعوام، عشنا صدمة تلو صدمة تلو صدمة. أولا، كوفيد، ثم جاء التدخل الروسي في أوكرانيا، وتلته كوارث مناخية في القارات كلها، وألحقت هذه الصدمات ضررا يفوق الحصر بحياة الناس. وتأثير هذه الصدمات مجتمعة يدفع الأسعار نحو قفزة عالمية، ولا سيما أسعار الغذاء والطاقة، ما يسبب أزمة في تكلفة المعيشة، ويزداد التعامل مع هذه الصدمات تعقيدا من جراء التشرذم الجغرافي ــ السياسي، إننا نجتاز تحولا جوهريا في الاقتصاد العالمي من عالم يمكن التنبؤ بتطوراته نسبيا، في ظل إطار قائم على القواعد يحكم التعاون الاقتصادي الدولي، وأسعار فائدة منخفضة، وتضخم منخفض.. إلى عالم أكثر هشاشة ــ ينطوي على درجة أكبر من عدم اليقين، ومستوى أعلى من التقلب الاقتصادي، ومواجهات جغرافية – سياسية، وكوارث طبيعية أكثر تواترا وتدميرا ــ عالم يمكن أن يتعرض فيه أي بلد إلى الخروج عن المسار بمزيد من السهولة والتواتر.
فما الذي يمكننا القيام به للحيلولة دون أن تؤدي هذه الفترة التي تفاقمت فيها الهشاشة إلى أن تصبح “معتادا جديدا” محفوفا بالخطر؟

أولا وقبل كل شيء، يجب أن نصل بالاقتصاد العالمي إلى الاستقرار عن طريق معالجة أكثر التحديات إلحاحا.
وبينما نعالج أزمات اليوم، علينا إعادة تنشيط التعاون العالمي وإحداث تحول في اقتصادنا من أجل بناء الصلابة في مواجهة صدمات المستقبل.

ولذا، فإننا في صندوق النقد الدولي ندعو إلى تحرك مبكر ومشترك من أجل إعادة تنظيم الصف وإعادة النظر في الأمور ــ كيف نستطيع اعتماد فكر أكثر استباقا للأحداث وقدرة على التحسب لها مقارنة بما كان عليه الوضع في السابق؟ فكر أكثر استعدادا للتحرك الآن والتحرك معا.

وسيشكل هذا محور تركيز اجتماعاتنا السنوية التي تعقد حاليا مع بلداننا الأعضاء البالغ عددها 190 بلدا عضوا.

وحول الحديث عن آفاق تزداد قتامة، أود البدء بالإشارة إلى الحاجة الماسة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، نظرا إلى تزايد قتامة الآفاق العالمية.

ففي تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، توقعنا تحقيق تعاف قوي ينتشل الاقتصاد من أغوار أزمة كوفيد. وبلغ النمو العالمي 6.1 في المائة في 2021. وظن معظم الاقتصاديين، ومنهم اقتصاديو الصندوق، أن التعافي سيستمر، وأن التضخم سرعان ما سينحسر، لأسباب أهمها أننا توقعنا أن تساعد عمليات التطعيم على تخفيف حدة الانقطاعات في سلاسل الإمداد وتسمح بتحسن الإنتاج.

غير أن هذا مخالف لما حدث. فالصدمات المتعددة، ومن بينها وقوع حرب لا معنى لها، غيرت المشهد الاقتصادي بالكامل. والتضخم، الذي لا يمكن وصفه بالمؤقت من قريب أو بعيد، أصبح مزمنا أكثر مما كان.
ومن جراء ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، وتشديد الأوضاع المالية، وبقاء بعض القيود على الإمدادات، تباطأت معدلات النمو. فقد أصاب التباطؤ كل اقتصادات العالم الكبرى ــ منطقة اليورو تأثرت بشدة من جراء انخفاض إمدادات الغاز من روسيا، والصين تعاني الاضطرابات المتعلقة بالجائحة، والهبوط الذي يزداد عمقا في سوقها العقارية، والولايات المتحدة تشهد تباطؤا في الزخم، إذ يؤدي التضخم إلى تراجع الدخل المتاح للإنفاق والطلب الاستهلاكي، ويشكل ارتفاع أسعار الفائدة عبئا على الاستثمار.

ويؤثر هذا بدوره في البلدان الصاعدة والنامية التي تواجه انخفاضا في الطلب على صادراتها، ويشعر كثير منها بضغوط حادة نتيجة لارتفاع أسعار الغذاء وارتفاع أسعار الطاقة.

وخفضنا توقعاتنا للنمو ثلاث مرات بالفعل، لتصل إلى 3.2 في المائة فقط لعام 2022، و2.9 في المائة لعام 2023. وكما سترون الأسبوع المقبل في أحدث إصدار من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، سنجري تخفيضا للنمو المتوقع للعام المقبل… يتبع.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى