مقالات

“الامتثال لاتفاقيات بازل في المصارف العربية”

بقلم : الشيخ محمد جراح الصبّاح – رئيس اتحاد المصارف العربية

إن الامتثال للمعايير التنظيمية المالية الدولية أمراً بالغ الأهمية لتقليل المخاطر، ولدعم النمو الاقتصادي، والحد من الفقر، وتحقيق الاستقرار المالي على الصعيد العالمي.

لقد شهدت العقود الأخيرة تطوير معايير تنظيمية مالية دولية جديدة هي بمثابة معايير مرجعية للنظام المالي والمصرفي في مختلف الدول، وهي تسهل التعاون بين المراقبين الماليين في مختلف الدول، وتؤمن تكافئ الأنظمة المالية والمصرفية على الصعيد العالمي.

إن تطوير الانظمة المصرفية الدولية من قبل مجموعة صغيرة من المنظمين الماليين في الاقتصادات المتقدمة له آثار إيجابية وسلبية. كما وإن اعتماد المعايير الدولية في الأسواق في البلدان النامية، ولا سيما البلدان المنخفضة الدخل والبلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى يؤدي الى تكاليف ومخاطر كبيرة. ومع ذلك، فإن الامتثال للمعايير الدولية بات من الضروريات ويرجع ذلك جزئياً إلى مخاوف بشأن السمعة والمنافسة، كما وأن في ظل العولمة لا يمكن للمنظمين تجاهل المعايير الدولية ببساطة، حتى لو كانت غير مناسبة لبيئتهم التنظيمية. وعليه يجدر تكييف المعايير الدولية بمرونة وتصميمها بما يتوافق مع احتياجات الدول النامية والناشئة والانتقال من السياسات المالية الدولية التي تتبع نهج فرض المعايير الى التصميم المرن للمعايير المالية التي تتلاءم مع احتياجات مختلف البلدان وتدعم تنمية القطاع المالي على الصعيد المحلي والعالمي.

لقد وضعت لجنة بازل للرقابة المصرفية معايير تنظيمية دولية مهمة نظراً لنطاقها وتفاصيلها الواسعة ودورها في حث المصارف على زيادة مرونتها في مواجهة المخاطر وأبرزها المخاطر السيبرانية. إنتوصيات بازل الأخيرة وُضعت بشكل أساسي للدول المتقدمة، إلا أن العديد من الدول النامية والناشئة تسعى الى تبنيها وتكييفها والامتثال لها. وهناك أيضاً دول اخرى في طور النظر والتخطيط للامتثال لمعايير بازل. وذلك إيماناً بأهمية تطبيق معايير بازل وفوائدها على المدى الطويل، الا أن المعايير الجديدة تحمل في طياتها مخاطر وتحديات جديدة.
إن آثار الامتثال للمعايير التنظيمية المالية الدولية، مثل معايير بازلتختلف بين البلدان الناشئة والنامية وبين البلدان المتقدمة، مما يشيرإلى الحاجة إلى نهج مختلف للتنظيم المصرفي في البلدان الناشئة والنامية للتمكن من تطبيق والامتثال لبازل وذلك لعدة أسباب:
• شدة التباين في إمكانية الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية
• التعرض لتقلبات اقتصادية ومالية عالية
• قلة تطور الأنظمة المالية
• توافر محدود لبيانات السوق
• الشفافية المحدودة
• ضعف القدرات وأطر الحوكمة
• القيود المؤسسية العامة

لقد تم تصميم معايير بازل لمعالجة المخاطر المالية الناشئة عن البنوك الكبيرة والمعقدة والتي تقوم بالعمليات الدولية. في حين أن الدول الأعضاء للجنة بازل هي الملزمة فقط من حيث المبدأ بتبني وتنفيذ معايير بازل، فإن العديد من الدول غير الأعضاء تتجه نحو تنفيذها. وتشير الأدلة المتاحة إلى أنه على الرغم من الحاجة الملحة لتعزيز وتطوير الأطر التنظيمية في المصارف العربية، إلا أنه من غير الواضح على الإطلاق أن معايير بازل هي النهج الأكثر فاعلية. كما ويفرض تنفيذ بازل 2 و 3 تحديات خاصة على البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل وذلك بسبب:
• تفاوت في تطور البنية التحتية المالية
• ضعف التوافق مع تهديدات الاستقرار المالي
• قيود الموارد البشرية والمالية
• تفاقم عدم تناسق المعلومات
• تدهور تكوين الائتمان.

إن اتفاقيات بازل (1، و2، و3، و4) التي تضعها لجنة بازل للرقابةالمصرفية تهدف الى تنظيم القطاع المصرفي، ووضع المعايير العالميةالأساسية للتنظيم التحوطي للبنوك. وقد تم إصدار أول اتفاقية بازل في عام 1988 وركزت على كفاية رأس المال للمؤسسات المالية، وتصنيف مخاطر كفاية رأس المال. واتفاقية بازل الثانية ركزت علىثلاثة مجالات رئيسية، تٌعرف بالركائز الثلاث لاتفاقية بازل: الحدالأدنى لمتطلبات رأس المال، والمراجعة الرقابية لكفاية رأس المالوالتقييم الداخلي، والاستخدام الفعال للإفصاح كأداة لتعزيزانضباط السوق وتشجيع الممارسات المصرفية السليمة. وعقب الأزمةالمالية في عام 2008، قررت لجنة بازل للرقابة المصرفية تحديثوتعزيز اتفاقات بازل. واعتبرت لجنة بازل للرقابة المصرفية أن سوءإدارة المخاطر، وعدم كفاية رأس المال، وارتفاع المديونية من أبرز أسباب الانهيار المالي.
وقدتم الاتفاق على بازل 3 في نوفمبر 2010التي على البنوك أن يكون لديها حد أدنى من حقوق الملكيةالمشتركة وحد أدنى من نسبة السيولة.
وتتضمن اتفاقية بازل الرابعة تغييرات في معايير متطلبات رأس مالالبنوك ومن المقرر تنفيذها في يناير 2023. وتسعى لجنة بازل الى تحسين إطار مخاطر السوق العالمي وذلك بزيادة المستوى العاملمتطلبات رأس المال، مع التركيز بشكل خاص على أدوات التداولالمعرضة لمخاطر الائتمان بما في ذلك الأوراق المالية.
ولا بد من الاشارة الى إرشادات لجنة بازل للرقابة المصرفية لتعزيز المرونة السيبرانية ومن أهمها التنظيم والإشراف، والاستجابة للحوادث السيبرانية والتعافي منها، وترشيد التعامل مع الاطراف الثالثة، وترتيبات تبادل المعلومات، ومقاييس المرونة السيبرانية.

وعليه فان توصيات اتحاد المصارف العربية لتطبيق بازل تستند إلى عدة مبادئ هي:
• تقليل الآثار غير المباشرة السلبية الى أدنى حد
• التناسب في تطبيق المعايير
.التوازن في تحقيق الاستقرار المالي والتنمية المالية
.تنفيذ العناصر الرئيسية للإصلاح التنظيمي العالمي من خلالبناء إطار احترازي فعال
• تكييف المعايير الدولية مع مراعاة تطور وحجم المؤسسات المالية، وأهمية العمليات المالية المختلفة، ومدى دقة المعلومات المتاحة وقدرة المشرفين عليها.

وفيما يلي توصيات اتحاد المصارف العربية لمختلف الأطراف المعنية:

توصيات لواضعي المعايير الدولية و للجنة بازل:
يدعو اتحاد المصارف العربية الى تبسيط المعايير الدولية والتناسبفي تصميمها ووضع إرشادات موحدة حول كيفية التعامل معتنفيذها بشكل منهجي. وقيام المؤسسات المالية الدولية بتقديم المشورة المتسقة فيما يتعلق بتنفيذ بازل كما
ويوصي لجنة بازل بتصميم معايير بازل وفق احتياجات المصارف العربية وبناءً على مشورة البنوك المركزية العربية، وفتح المجال للمزيد من المدخلات ذات المغزى من ممثلي البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وتوضيح الشروط المتناسبة لمكونات بازل.

توصيات للمصارف العربية في مسيرتها للامتثال للمعايير التنظيمية الدولية ولاتفاقيات بازل:
• وضع الاستراتيجيات: تحتاج المصارف العربية إلى وضع استراتيجيات لاستيفاء المعايير الدولية مع مراعاة تطور وحجمالمؤسسات المالية العربية، وأهمية العمليات المالية المختلفة فيالأسواق المالية العربية، ودقة المعلومات المتاحة ودرجة الرقابةعليها.
• تطوير إطار تنظيمي: على المصارف العربية تطوير إطارتنظيمي يعزز مرونة القطاع المالي والمصرفي العربي دون تكبلتكاليف امتثال غير متناسبة.
• تعزيز المرونة السيبرانية: على البنوك والحكومات في جميع أنحاء العالم القيام بدور حاسم لبناء ثقافة المرونة السيبرانيةوتدريب وتعليم الكوادر البشرية عليها. وعلى جميع المصارف العربية رفع المرونة السيبرانية امتثالا لإرشادات بازل مما يساعد في الصمود في وجه الهجمات السيبرانية وضمان الاستدامة والنمو والازدهار والمضي في مسيرة التحول الرقمي بأمان واستمرارية العمل رغم الهجمات السيبرانية التي باتت توازي حجم الحروب العالمية الكبرى والكوارث والجائحات.
• إجراء البحوث: على البنوك المركزية العربية والمصارف العربية التعاون والمشاركة في إجراء البحوث حول تداعياتإطار تنفيذ بازل وتعزيز استقرار النظام المالي.
• وضع إطار تنفيذ بازل في المصارف العربية: تجدر الإشارة الى أن البلدان الناشئة والنامية في مراحل مختلفة من تنفيذ معايير بازل وفقاً لهيكل أسواقها المالية وأنظمتها، ومواردها المالية والبشرية، وقدراتها المؤسسية. ولا تختلف أولويات التنفيذ في البلدان الناشئة والنامية بشكل كبير عن تلك الموجودة في البلدان المتقدمة. ويمكن تحديد أولويات تنفيذ بازل كالآتي: تعديل الإطار التنظيمي، تعزيز الإشراف القائم على المخاطر، إصلاح القطاع المصرفي، إنشاء قواعد قوية لرأس المال والسيولة، ووضع نهج تدريجي خاص بكل بلد يعتمد على تطور المؤسسات المالية وحجمها، واتساع نطاق العمليات المالية، ودقة المعلومات الاحترازية المتاحة، والقدرات الإشرافية.
التعلم من التطبيقات الناجحة لبازل في الدول العربية: يمكن التعلم من تجربة مصر التي أعادت هيكلة قطاعهاالمصرفي وأنظمتها بما يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية لتمهيد الطريق لتنفيذ معايير بازل. وركائز خطة إعادة الهيكلةفي مصر تشمل خصخصة وتوحيد القطاع المصرفي، ومعالجة القروض المتعثرة، وإعادة هيكلة البنوك المملوكة للدولة، وترقية وظيفة الإشراف المصرفي بالبنك المركزي، وتسهيل الأعمال الصغيرة، وتمويل المشروعات المتوسطة الحجم. وقد اعتمد البنك المركزي المصري إستراتيجية تستند إلى مبدأين أساسيين لتنفيذ بازل هما البساطة والتواصل. وتم تنظيم مشروع التنفيذ حول أربع مراحل: وضع الإستراتيجية، وتدريب الكوادر البشرية، والتنسيق مع البنوك، وضبط الأنظمة والإعداد الداخلي للبنوك. ويقوم البنك المركزي المصري حالياً بتطبيق بازل 3.
• الاستثمار في تطوير أنظمة تكنولوجيا المعلوماتلتطبيق بازل: إن جودة البيانات هي التحدي الأكبر للامتثاللبازل، مما يستوجب الاستثمار في تطوير أنظمة تكنولوجياالمعلومات التي تساعد في إنتاج بيانات متسقة ودقيقة بناءً علىنماذج متعددة وحسابات الوقت الفعلي. ويجب أن تكون البنيةالتحتية لتكنولوجيا المعلومات قوية بما يكفي للتعامل مع سلامةالبيانات وقابلية الاستخدام والامتثال، وتحتاج أيضاً إلى أنتكون مرنة بدرجة كافية للتمكن من تطوير أنظمة إعداد التقاريرالمالية ووضع المقاييس. يمكن أن يحقق الاستثمار فيالتكنولوجيا والبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات فوائد إيجابيةللبنوك تساعد في تحليلات البيانات. إن استيفاء متطلباتإعداد تقارير السيولة وفق بازل يستلزم حجم استثمار كبير فيتكنولوجيا المعلومات للتمكن من جمع المعلومات حول التدفقاتالنقدية عبر البنك (الموجودات والمطلوبات). ويتوجب علىالمصارف بناء قدرات لقياس مخاطر السيولة في الوقت الفعلي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى