اقتصاد

امريكا اولا .. العنوان العريض لسياسات ترامب الاقتصادية والتجارية .. والعالم ينتفض سياسيا واقتصاديا

 

البنوك دوت كوم:

العالم علي شفا عهد جديد تبدد فيه هيمنة القطب الواحد بعد ان أعلن ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية عن تصعيد غير مسبوق في حربه التجارية، حيث فرض تعريفة جمركية شاملة بنسبة 10% على جميع الواردات، قبل أن يعلن زيادات أعلى بنسب متفاوتة على حلفاء وخصوم، بما في ذلك 46% على فيتنام، 34% على الصين، 24% على اليابان، و20% على الاتحاد الأوروبي، في خطوة تمثل أعنف تحرك أمريكي في السياسة التجارية منذ قرن تقريبًا.

تأتي هذه الخطوة في اطار فكر جديد يتبلور في مفهوم ” امريكا اولا” والذي علي ما يبدو رفعه ترامب بعد ان تغيرت الخريطة الايدولوجية واختفاء روسيا الشيوعية بما لا يجعل من روسيا عدو تقليدي لتتحول العداوة الي الصين النجم الاقتصادي الذي يبتلع اكثر من ١٥٪؜ من حجم التجارة العالمية بما يصل الي ٦ ترليونات عام ٢٠٢٣.

 

وأثر قرارات ترامب جاءت ردة الفعل سريعة، حيث شهدت البورصات الأميركية تقلبات حادة فور الإعلان عن التعريفات الجمركية. المستثمرون قلقون من أن يؤدي التصعيد في الحروب التجارية إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة الضغوط على الشركات الأميركية. كما أن عدم اليقين بشأن مستقبل العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين يزيد من حالة التوتر في الأسواق، وهو ما قد يؤثر على قرارات الاستثمار في المدى القريب. حتى الاحتياطي الفيدرالي أبدى قلقه بشأن التداعيات المحتملة لهذه السياسة على معدلات النمو والتوظيف، حيث إن أي تراجع في الاستثمارات بسبب ارتفاع التكاليف أو عدم اليقين قد يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد.

 

اسباب ترامب

 

تعتمد خطة ترامب على فرض رسوم جمركية مرتفعة على بعض السلع المستوردة، خصوصا الصلب والألمنيوم، وذلك بهدف دعم الصناعات المحلية التي تواجه منافسة شرسة من الخارج. لكن بينما تسعى الإدارة الأميركية إلى تحقيق مكاسب استراتيجية من هذه الخطوة، تبرز العديد من التساؤلات حول آثارها على المستهلك الأميركي، والقطاعات الصناعية، والوظائف، والأسواق المالية، والعلاقات التجارية للولايات المتحدة على الصعيد الدولي.

 

ترامب يبرر الرسوم الجمركية بأسباب متعددة، حيث يدعي أنها رد على ممارسات الدول الأخرى التي تحد من الصادرات الأمريكية، وفرض في هذا السياق تعريفات تصل إلى 46% على واردات من فيتنام و34% على الواردات الصينية و20% على المنتجات الأوروبية. كما يربط ترامب التعريفات بسياسات أخرى مثل الضغط على المكسيك وكندا والصين لمنع تدفق الفنتانيل إلى الولايات المتحدة، أو استخدامها كأداة تفاوضية ضد كولومبيا بخصوص ترحيل مواطنيها.

 

يعتقد ترامب أن التعريفات ستجبر الشركات على إعادة التصنيع إلى الولايات المتحدة عن طريق معاقبة من ينتجون في الخارج، كما يرى أنها قد تكون مصدرا إضافيا لتمويل الحكومة الفيدرالية وربما بديلاً للضرائب على الدخل. لكن هذه الإجراءات ترفع تكاليف الأعمال التجارية حتى بالنسبة للشركات الأمريكية التي تعتمد على المواد الخام أو الأجزاء المستوردة.

 

من المرجح أن تؤدي هذه التعريفات إلى ارتفاع تكاليف المنتجات المستوردة، مما سينعكس مباشرة على أسعار السلع الاستهلاكية في السوق المحلية. يعتمد الاقتصاد الأميركي بشكل كبير على سلاسل التوريد العالمية، حيث يتم استيراد العديد من المنتجات أو مكوناتها من الخارج.

 

ارتفاع الرسوم الجمركية يعني زيادة تكاليف الإنتاج، والتي ستنتقل في نهاية المطاف إلى المستهلك. وهذا قد يؤدي إلى زيادة معدل التضخم، مما سيؤثر على القوة الشرائية للأسر الأميركية، وخاصة تلك ذات الدخل المنخفض والمتوسط التي تنفق نسبة كبيرة من دخلها على السلع الأساسية. ومع ارتفاع الأسعار، قد تتراجع القدرة الشرائية، مما قد يؤدي إلى تباطؤ النمو في القطاعات التي تعتمد على الاستهلاك المحلي، مثل تجارة التجزئة والخدمات.

 

هيمنة امريكية

 

لا احد ينكر ان الولايات المتحدة كانت تقود النظام التجاري العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث لعبت دور الحارس للأسواق المفتوحة، وبلغ هذا الدور ذروته مع تأسيس منظمة التجارة العالمية عام 1995. لكن الآن، مع فرض هذه الرسوم الجمركية، فإن واشنطن تنتهك بوضوح مبدأ عدم التمييز الذي يعد أحد الركائز الأساسية للمنظمة، ما يضعف مصداقيتها على الساحة الدولية ويفتح المجال أمام إعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية. وما يؤكد هذا الكلام ما اصاب الاسواق الامريكية من انهيار عقب الاعلان عن تطبيق هذه القرارات وكأنه تأثير مباشر وسريع.

 

بدائل سريعة

 

ردود الفعل الدولية جاءت سريعة، حيث أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن الاتحاد الأوروبي جاهز للرد بفرض تعريفات جمركية على الصادرات الأمريكية، خاصة في قطاع الخدمات والتكنولوجيا. اليابان بدورها أكدت أن جميع الخيارات متاحة أمامها، بينما تدرس بعض الحكومات التنسيق فيما بينها لاتخاذ إجراءات انتقامية منسقة، ما ينبئ باندلاع حرب تجارية واسعة النطاق قد تعيد تشكيل الاقتصاد العالمي.

 

دول العالم بدأت تبحث عن بدائل، ولم تعد تحاول إنقاذ النظام القديم، بل تبني ترتيبات جديدة تقلل من اعتمادها على الطلب الأمريكي وتحميها من فائض الإنتاج الصيني المدعوم حكوميًا. هذا التحول لا يعكس فقط الغضب من السياسات الأمريكية، بل أيضًا إدراكًا متزايدًا بأن الاعتماد على سوق واحدة، سواء كان أمريكا أو الصين، لم يعد مستدامًا في ظل التوترات التجارية المتصاعدة.

 

الاتحاد الأوروبي وكندا أعلنا بالفعل عن تعريفات جمركية انتقامية بمليارات الدولارات ردًا على رسوم ترامب السابقة على الألمنيوم والصلب. هذه الإجراءات يتم تبريرها باعتبارها “تدابير وقائية” مسموح بها وفقًا لقوانين منظمة التجارة العالمية، وهو تلاعب قانوني واضح، لكنه يمر دون معارضة حقيقية بسبب شلل هيئة الاستئناف التابعة للمنظمة، ما يعكس تفكك النظام القانوني الذي حكم التجارة العالمية لعقود.

 

دفاع الدول الناشئة

 

الدول الناشئة مثل الهند وإندونيسيا والبرازيل بدأت تتخذ إجراءات لحماية أسواقها من الطوفان المتوقع من الصادرات الصينية، لكنها تفعل ذلك بطرق أكثر استراتيجية، من خلال فرض تعريفات انتقائية والتفاوض على اتفاقيات جديدة مع شركاء تجاريين متنوعين.

 

منظمة التجارة العالمية لا تزال تلعب دورًا، رغم ضعفها، حيث إنها توفر الإطار القانوني لأكثر من 80% من التجارة العالمية. الاتحاد الأوروبي و16 دولة أخرى، بما في ذلك الصين، أنشأوا آلية تحكيم بديلة لتعويض انهيار نظام تسوية النزاعات في المنظمة.

 

اتفاقيات تجارية إقليمية بدأت تحل محل النظام العالمي المتعثر، حيث يبرز اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ كأحد أهم الأطر التي تضع قواعد جديدة للتجارة، تشمل معايير رقمية وبيئية وعمالية أكثر صرامة. الصين تحاول الانضمام إلى هذا الاتفاق، لكن الدول الأعضاء تشترط عليها إصلاح سياساتها التجارية أولًا.

 

بعض الدول الأوروبية تفكر في الانضمام إلى اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ، لكن ذلك يظل احتمالًا ضعيفًا بسبب الفروقات التنظيمية الكبيرة بين أوروبا وأعضاء الاتفاق. بدلاً من ذلك، تركز بروكسل على اتفاقيات ثنائية، مثل الاتفاق الرقمي مع كوريا الجنوبية، الذي يعد خطوة نحو وضع معايير جديدة للتجارة الإلكترونية.

 

التجارة العالمية تتجه نحو التعددية القطبية، حيث لم يعد النظام التجاري يدار من قبل أمريكا والصين وحدهما، بل باتت قوى أخرى مثل الاتحاد الأوروبي والهند والبرازيل تلعب دورًا في صياغة القواعد الجديدة. هذا التحول يعكس عالماً أكثر انقسامًا لكنه أيضًا أكثر توازنًا تجاريًا.

 

الصين تسعى لاستغلال تراجع النفوذ الأمريكي لتعزيز علاقاتها التجارية، حيث بدأت محادثات جديدة مع اليابان وكوريا الجنوبية بعد توقف دام خمس سنوات، كما عرضت على الهند زيادة الواردات من المنتجات الهندية، في محاولة لإعادة تشكيل التوازن التجاري الإقليمي.

 

السيناريوهات المستقبلية تعتمد على موقف أوروبا، فإذا قررت تشكيل تحالف قوي مع حلفائها التجاريين، فقد تنجح في إعادة بناء نظام تجاري عالمي أكثر استقرارا. أما إذا فشلت في توحيد صفوفها، فقد تجد نفسها مضطرة للعب وفق القواعد الصينية، مما قد يؤدي إلى نظام تجاري أكثر فوضوية وأقل عدالة.

 

مصر اقل ضررا

الرسوم الجمركية التى فرضها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على كل الواردات الأمريكية لن يكون لها تأثيرات سلبية ملحوظة على الصادرات المصرية كما يروج البعض ، والمخاوف المنتشرة حاليا من خسارتنا للسوق الأمريكى فيها قدر كبير من المبالغة والمخاوف غير المبررة خاصة وأن تلك الرسوم الجمركية لم يتم فرضها على السلع المصرية وحدها وإنما شمل القرار معظم السلع من الدول الأخرى .

 

بمراجعة كافة الرسوم الجمركية الجديدة سنجد أنه تم زيادة الجمارك على أغلب الواردات الأمريكية من الدول المنافسة لمصر بقيمة أعلى بكثير من المقررة على صادراتنا وتُعد مصر من بين الدول التي شملتها الرسوم الأدنى ضمن جدول التعريفات، إلى جانب السعودية، والإمارات، والمغرب، وسلطنة عمان، ولبنان، والسودان.

 

هذا بالاضافة الى أننا نمتلك ميزة إضافية وهى انخفاض سعر العملة المحلية مقابل الدولار الأمر الذى يعطى ميزة تنافسية كبيرة للمنتجات المصرية .

 

أكثر من 45.5 % من إجمالى الصادرات المصرية الى السوق الأمريكى تندرج فى قطاعات الملابس الجاهزة والأقمشة وكان من أكثر المنافسين لنا فى هذا السوق دول الصين وباكستان وفيتنام والفلبين وهما من أعلى الدول التى فرض عليها الرئيس الأمريكى رسوم جديدة وصلت الى 67 % للصين و90 % لفيتنام و58 % لباكستان و34 % للفلبين مقابل 10 % فقط على الواردات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى